أسئلة الأطفال : هل هي دائما مبتذلة حقا ؟!

أتذكر في صغري اني كنت مزعجا جدا بكثرة أسئلتي وغرابة تلك الأسئلة بالخصوص – أو كهذا أفهموني -  كما أني أتذكر الآن حوارا دار بيني وبين أخي أغضبته بكثرة أسئلتي , طبعا لم تكن أسئلتي واضحة ومنسقة جيدا آنذالك للتعبير عما أريد معرفته بطريقة سليمة لأني كنت صغيرا , غير أنه كان كالآتي :

- هل يوجد مسيحيين عرب أو يهود عرب ؟

- نعم يوجد .

- لكن كيف يتصرفون : كعرب أو كمسيحيين ويهود ؟ ( هنا لم أكن أعرف طريقة طرح السؤال ..لم أشأ تغيير السؤال نقلته بكل أمانة كما طرحته سابقا ..إلا أني كنت أقصد قضية الإنتماء والولاء).

- (بنظرة إستهجان) لقد قلت هم عرب ومسيحيين (أو يهود) في آن واحد ...  وماذا تقصد بسؤالك ؟

- ممممم ..مثلا في فلسطين يوجد يهود وهم فلسطيين عرب صح ؟

- صحيح .هذا ما قلت سابقا .

- هل هذه الفئة تأخذها النخوة كعرب على فلسطيين العربية فيناهضوا الإحتلال أم تأخذهم العاطفة الدينية كيهود ويساندوا الإحتلال بإعتباره يهوديا ؟

لم يجبني على هذا السؤال فقط طلب مني الإبتعاد عن كثرة الاسئلة : مالذي يجعل فتى في العاشرة يخوض في هذه الأمور بدل الإستمتاع بحياته مادام لم يذق طعم المسؤولية بعد ؟ 

لم ارو هذه القصة لتبيان حذاقتي أو التشدق بأفكاري أو شيء من هذا القبيل ذلك أني إستسلمت في بعض الأحيان حقا لعدم السؤال وإعتباره شيئا ثانويا يضر أكثر مما يفيد ..ولم أكن لأتذكرها أبدا لو أني – وبعد عشرون سنة - ما تصفحت مجلة العربي لهذا الشهر(العدد 660 - نوفمبر 2013) وأقرأ ما كتب الباحث الإقتصادي الكويتي "عامر ذياب  التميمي" بعنوان : " بين مجتمعين ...الإنتماء لأي أرض؟ والولاء لمن ؟ " والذي تكلم عن نفس القضية التي طرحتها في صغري على شكل تساؤلات بل أكثر بتكلمه عن الأقليات في العالم ومزدوجي الجنسية وثنائية الهوية ...

هل أسئلة الأطفال دائما سطحية ومبتذلة لا قيمة لها :

أظن – من وجهة نظري – أن إمكانية الإبداع لدى الصغار أكثر مما هي لدى الكبار وكلما كبر الفتى قل لديه الطموح والإبداع ذلك أنهم صفحة بيضاء لم تتأثر بالبرمجة السلبية للمجتمع بعد لذلك تجدهم دائم التساؤل بدون خوف وكثيري الثقة بالنفس ,قد تقول لي أن هنالك أشخاص كبار وهم مبدعين ..هذا صحيح ولكن صدقني ستجد أن في محيطهم ينظر إليهم كأغبياء أو بسطاء التفكير..ليس الأمر فقط في كون الأطفال لا يخافون أو متحمسين دائما فحسب بل أيضا في كون تفكيرهم وأسئلتهم صادرة بدون معرفة مسبقة أو عقلية مكتسبة قبلا ..فلا يوجد طفل علماني أو إسلامي أو شيوعي مثلا هذا الشيء الذي أعتبره مصدر الإبداع : أن تفكر بدون قيود وبدون مفاهيم مبرمج عليها مسبقا ..

هنا أتذكر قصة حدثت لي عندما سالني أحد الأطفال الصغار بعد أمضى يومه في اللعب حتى أنهكه التعب : نأكل ونشرب وننام ..أهذا كل ماعلينا فعله ؟؟ ربما ان ذلك السؤال مجرد صدفة أو عبث أطفال فقد قلت في نفسي أنا أيضا : مالذي يجعل فتى في العاشرة يطرح هذا السؤال ؟ ربما لكنت نهرته بالفعل لو أني لم أتذكر قصتي مع أخي ...

إن بعض تلك الاسئلة التي يطرحها الصغار ليست مجرد عبث بل هي نابعة من حيرته ورغبته في التعلم فلا تكبحوا رغبة أبنائكم تلك بل شجعوها على الأقل إن لم تستطيعوا الإجابة عنها ...

إليك هذه الفكرة : لطالما ضحكنا على خيال الاطفال ومخيلتهم الواسعة إزدرنا أسئلتهم ..لكن إليك ما يقول أعظم علماء البشرية في القرن العشرين وربما في التاريخ "ألبرت إنشتاين " : "الخيال أهم من المعرفة , المعرفة لها حدود تقف عندها , الخيال يلف العالم كله "  وهناك قول مأثور أيضا : "إنه لأمر مذهل ما يمكن لأناس عاديين فعله , إذا ما إنطلقوا بدون الأفكار المسبقة الراسخة في عقولهم ."

للتدوينة تكلمة إن شاء الله ...